ملتقى شباب العالم



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى شباب العالم

ملتقى شباب العالم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى شبابي عام

بشرى سارة (( منتدى مملكة الحرية يعود إليكم من جديد بحلته الجديدة و بإدارته المتجددة وبأعضائه المتميزون )) فأهلاً ومرحباً بكم أخواني وأخواتي على أرض مملكة الحرية التس تحرسها القلوب المؤمنة
أهدي تحياتي إلى جميع مشرفي وأعضاء وزوار منتدى مملكة الحرية
أهدي تحياتي وسلامي لكل من شارك ببناء ورقي هذا المنتدى الثقافي (( منتدى مملكة الحرية))

2 مشترك

    مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي

    avatar
    فاطنة الدوسري
    مشرفة منتدى العام


    عدد المساهمات : 89

    مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي Empty مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي

    مُساهمة من طرف فاطنة الدوسري الجمعة أكتوبر 16, 2009 6:47 pm


    نظرا للتساؤلات المستمرة عن مفهوم الثقافة ولتعميم الفائدة ارتأيت أن أضع بين أيديكم وعلى مراحل كتاب مشكلة الثقافة للمفكر الجزائري مالك بن نبي

     

    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة الطبعة الثانية

    إن الطبعة الأولى لهذا الكتاب صدرت بالقاهرة منذ اثنتي عشرة سنة وكانت الأفكار التي تعرضها -فيما أعتقد- غريبة في الوسط المثقف العربي، إذ لم تكن سبقت دراسة في هذا الموضوع من دارس عربي، خصوصا إذا أضفنا أن المؤلف، كما تبين هذا في الفصول الأولى، قد تناول القضية من زاوية جديدة، لأنه كان أثناء دراسته منقادا بشعور من يبحث عن ضالة، بينما عالم الاجتماع في الغرب أو حتى في الشرق الأوروبي يتناول الموضوع وهو ممتلئ بشعوره. إنه إنما يصف واقعا اجتماعيا شاخصا أمام عينيه، في نظم بلاده، في فعالية السلوك حوله، في الترابط الواضح بين بني جلدته ومجتمعهم، ذاك الترابط الذي هو في جوهره التزام متبادل بين المجموعة والفرد.
    بينما كان المؤلف مضطرا أن يقف موقف الباحث عن سبب أو أسباب هذا الالتزام في مجتمع فقده منذ شاعت فيه الروح الانعزالية التي وجدت فلسفتها في تلك الكلمة القتالة -عليك بخاصة نفسك- التي رددتها أجيال مسلمة عبر قرون عصر ما بعد الموحدين.
    إذا كانت فعلا الأفكار التي تعرضها هذه الدراسة غريبة، وغريبة من ناحيتين :
    أولا : لأنها لم تتوخ منهج الدراسات الغريبة في الموضوع لأسباب منهجية قدمها المؤلف في الصفحات التالية.
    وثانيا : لأن الأفكار المعروضة هنا ليست في جوهرها إلا امتدادا وشرحا تحليليا من ناحية، وتركيبا من أخرى للأفكار التي قدمها في أحد فصول كتابه ''شروط النهضة" الذي نشر منذ ربع قرن باللغة الفرنسية، أي عندما كان الموضوع بكرا لا بالنسبة للعالم الإسلامي فحسب، بل وأيضا في بلاد الغرب.
    هذا من ناحية، ومن أخرى يجب أن نضيف أن هذه الطبعة تمتاز بالنسبة للأولى بفصل جديد "الأزمة الثقافية" رأيت من الضروري إضافته حتى أطلع القارئ العربي على أغوار أخرى للقضية.
    إنني عندما أراجع نفسي كمؤلف، أراني سرت في الطبعة الأولى على قاعدة (العالم بخير)، أي أنه يكفي إبراز الجوانب الإيجابية للقضية لوضع يد القارئ على حلها، أو على الأقل لوضع قدميه في طريق حلها.
    ولكن الأيام تكمل التجربة، وتتم الخبرة، فالسنوات التي مرت منذ الطبعة الأولى بينت لي، أن الأمر ليس على هذا الجانب من اليسر وأن الدلالة على خير -وإن كانت من الخير- لا تكفي لتحقيقه في الميدان العلمي إن لم تصحب هذه الإشارة الخيرة، إشارة أخرى تدل على مطبات الشر التي قد يتعثر عليها السير، وربما يستحيل أمامها.
    إن الفصل الذي عقدته في هذه الطبعة لـ ((الأزمة الثقافية)) إنما قصدت به أن أضع بعض معالم الإنذار على بعض تلك المطبات التي تجعل سير المجتمع مستحيلا، فلعل القارئ العربي يعيره بعض الاهتمام.

    مالك بن نبي
    بيروت 16 ربيع الثاني 1391



    avatar
    فاطنة الدوسري
    مشرفة منتدى العام


    عدد المساهمات : 89

    مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي Empty رد: مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي

    مُساهمة من طرف فاطنة الدوسري الجمعة أكتوبر 16, 2009 7:25 pm




    مقدمة الطبعة الأولى

    جرى العرف إذا ما أريد الحديث عن الثقافة أن تقتصر مشكلتها في ذهن القارئ على قضية الأفكار
    والحق أن المشكلة هي كذلك في جانب من جوانبها. ولكن الثقافة لا تضم في مفهومها الأفكار فحسب، وإنما تضم أشياء أعم من ذلك كثيرا تخص -كما سنرى خلال عرضنا- أسلوب الحياة في مجتمع معين من ناحية، كما تخص السلوك الاجتماعي الذي يطبع تصرفات الفرد في ذلك المجتمع من ناحية أخرى
    ومع ذلك فإذا لم يكن من دافع يدفعنا إلى هذه الدراسة سوى مشكلة الأفكار. فإن مسوغا كهذا قد يكون كافيا في الظروف الراهنة التي يعيشها العالم الإسلامي والبلاد العربية.
    وسيكون هذا المسوغ في الواقع صادقا في نظريتين، ومن المحتمل أن يصدق في نظرة ثالثة.
    فإن تنظيم المجتمع وحياته وحركته، بل فوضاه وخموده وركوده، كل هذه الأمور ذات علاقة وظيفية بنظام الأفكار المنتشرة في ذلك المجتمع، فإذا ما تغير هذا النظام بطريقة أو بأخرى، فإن جميع الخصائص الاجتماعية الأخرى تتعدل في نفس الاتجاه.. إن الأفكار تكون في مجموعها جزءا هاما من أدوات التطور في مجتمع معين، كما أن مختلف مراحل تطوره هي في الحقيقة أشكال متنوعة لحركة تطوره الفكري، فإذا ما كانت إحدى هذه المراحل تنطبق على ما يسمى بالنهضة فإن معنى هذا أن المجتمع في هذه المرحلة يتمتع بنظام رائع من الأفكار، وإن هذا النظام يتيح لكل مشكلة من مشاكله الحيوية حلا مناسبا.
    ومثالنا على ذلك أننا نرى في أيامنا هذه مجتمعات معاصرة تطبق حلولا مختلفة بصدد مشكلة بسيطة هي مشكلة الذباب، هذا الاختلاف لا ينشأ عن سبب فني في المشكلة، بل هو ناشيء عن اختلاف نظم الأفكار، ومن أجل هذا اختلفت فاعلية الحلول التي تطبقها. ففي الصين تعالج المشكلة بتجنيد المجتمع لقتل الذباب، بينما في أمريكا تواجه بـ (د.د.ت).
    ولكن لو أننا رأينا في مجال معين أثر الأفكار في مقاومة الحشرات فقد نرى في مجال آخر أثرها الناقل للمرض. فمن المعلوم مثلا أن الأجسام الحية قد تتناقل بعض الأمراض بواسطة العدوى. ولكنا منذ ((باستور)) و ((كوخ)) عرفنا أن الجراثيم هي العوامل التي تنقل هذه الأمراض.
    ونحن نرى أن هناك شكلا آخر من أشكال العدوى، هو ذلك الذي ينقل الأمراض الاجتماعية من جيل إلى جيل، الأمر الذي يضطرنا تبعا لطبيعة المشكلة ذاتها أن نقرر أن هناك أيضا أنواعا من الجراثيم الناقلة للأمراض الاجتماعية، هذه الجراثيم الخاصة أفكار معدية، أفكار تهدم كيان المجتمعات، أو تعوق نموها.
    وعلى هذا نجد أن أهمية الأفكار في حياة مجتمع معين تتجلى في صورتين : 
    فهي إما أن تؤثر كعوامل نهوض بالحياة الاجتماعية، وإما أن تؤثر على عكــس  ذلك كعوامل ممرضة، بحيث تجعل النمو الاجتماعي صعبا أو مستحيلا.
    وهنالك فضلا عن ذلك جانب آخر لأهمية الأفكار في العالم الحديث : 
    ففي القرن التاسع عشر كانت العلاقات بين الأمم والشعوب علاقات قوة، وكان مركز الأمة يقدر بعدد مصانعها ومدافعها، وأساطيلها البحرية، ورصيدها من الذهب. ولكن القرن العشرين قد سجل في هذا الصدد تطورا معلوما، هو أنه قد أعلى من الفكرة، باعتبارها قيمة قومية ودولية. هذا التطور لم تشعر به كثيرا البلدان المتخلفة، لأن عقدة تخلفها ذاتها قد نصبت في طريقها ضربا من الغرام السقيم بمقاييس القوة، أي بالمقاييس القائمة على ((الأشياء)).
    فالرجل الذي يعيش في بلد متخلف يلاحظ دون ريب تخلفه بالنسبة للرجل الذي يعيش في بلد متقدم وهو يلاحظ شيئا فشيئا أن الذي يفصل ما بين الشعوب ليس هو المسافات الجغرافية، وإنما هي مسافات ذات طبيعة أخرى.
    والمسلم بسبب عقدة تخلفه يرد هذه المسافة إلى نطاق ((الأشياء))، أو هو بتعبير آخر يرى أن تخلفه متمثل في نقص ما لديه من مدافع وطائرات وبنوك.
    وبذلك يفقد مركب النقص لديه فاعليته الاجتماعية، إذ ينتهي من الوجهة النفسية إلى التشاؤم، كما ينتهي من الوجهة الاجتماعية إلى ما أطلقنا عليه ((التكديس)) فلكي يصبح مركب النقص لديه فعالا مؤثرا ينبغي أن يرد المسلم تخلفه إلى مستوى الأفكار، لا إلى مستوى الأشياء، فإن تطور العالم الجديد دائما يتركز اعتماده على المقاييس الفكرية.
    وللنظر كيف يفكر في هذا الصدد ممثلان من ممثلي ((القوة))، أعني رجلين يملك بلداهما أكبر قدر من الأشياء، ابتداء من الثلاجة الكهربائية حتى الصاروخ.
    ففي المؤتمر الحادي والعشرين للحزب الشيوعي، الذي انعقد في موسكو أراد خروشوف أن يفحم خصومه فقال : " إن النجاح الاقتصادي هو أقوم مقياس لسلامة الأفكار "، فها نحن نرى فاعلية الأفكار في إطار اقتصادي قومي، أي عندما تكون الأفكار سليمة يصبح الاقتصاد ناجحا.
    أما في المجال الدولي فإن لدينا حكما أصدره رجل آخر يمثل أيضا عنصرالقوة في المعسكر الغربي، فلقد نشر جورج كينان الدبلوماسي الأمريكي تحليلا هاما للوضع العالمي الراهن، كان قد ألقاه في عدة محاضرات، ثم نشره في كتاب بعنوان ((روسيا ، والذرة، والغرب)) وخلاصة ما ذهب إليه أن هناك توازنا في القوى بين كلا الجانبين، وهذا التوازن يضطر كليهما إلى الكف عن الإعتداد بالأسلحة، وأن يكون اعتدادهما بالأفكار ففي البلاد المتخلفة التي ما زالت حتى الآن ضمن مناطق النفوذ، لم يعد السلاح أو عائدات البترول بكافيين في تدعيم هذا النفوذ، وإنما هي الأفكار وحدها.
    فالعالم قد دخل إذن في مرحلة لا يمكن أن تحل فيها أغلبية مشكلاته إلا على أساس نظم الأفكار، وفي مرحلة كهذه يتحتم على البلاد العربية والإسلامية أن تولي أكبر قدر من اهتمامها لمشكلة أفكارها، وبخاصة تلك البلاد التي لا تملك كثيرا من أدوات القوة المادية.
    وعليه فلو افترضنا أن موضوع ثقافة معينة يرجع إلى مشكلة الأفكار فحسب، فإن ذلك كاف كمسوغ نضعه بين يدي هذه الدراسة.
    وربما وجد القارئ جوانب أخرى لم يكن يتوقعها في هذه الدراسة التي لا تمس السياسة من قريب أو بعيد، بيد أننا إذا ما قررنا أن لمشكلة الثقافة نوعيتها التاريخية والاجتماعية، في حدود الزمان والمكان، وأن لأية ثقافة بحكم هذه النوعية وجودها الخاص الذي يرسم حدودها على الخريطة، إذا ما قررنا ذلك فمن العسير علينا ألا نربط هذه الملاحظة النظرية بالمشكلات السياسية التي تثير اهتمام العالم بعامة، والبلاد التي تخصها تلك المشكلات بخاصة.
    فإذا ما أخذنا مثلا موقف البلاد التي اتبعت في سياستها الدولية روح مؤتمر باندونج المتمثلة في (الحياد الإيجابي) فمن الطبيعي أن نتصور أن هذه البلاد ينبغي أن تفكر في اقتصادها طبقا لهذه الخطة السلوكية، بل أن تفكر في سياستها أيضا بتلك الروح.
    ولكن أليس من الطبيعي أن تتجه البلاد إلى أن تفكر في ثقافتها بنفس الطريقة، أعني بذلك أن تكون ثقافتها متجاوبة مع فكرة (الحياد الإيجابي)!؟..
    ومع ذلك فربما كان هذا السؤال عاريا عن المنطق أو خياليا لو أنه كان متعارضا - في النظرة الأولى- مع العناصر الذاتية في المشكلة. ولكن الوضع الاجتماعي في البلاد الأفريقية الأسيوية -ومن بينها البلاد العريبة- يحتوي في مرحلة تطورها الراهنة كثيرا من العناصر النوعية التي تتفق مع مقتضيات فكرة ((الحياد الإيجابي)) بحكم ضرورة داخلية، فهناك إذن ثقافة تتفق مع هذا الاتجاه السياسي بصورة طبيعية، وربما استطاع القارئ أن يلحظ ذلك ضمنا في ثنايا هذا العرض.
    فمشكلة الثقافة في البلاد العربية والإسلامية تتصل في الحقيقة اليوم بجوانب مختلفة، جعلتني أرى من المفيد في هذه الدراسة بعد موضوعها الرئيسي الذي يحمل عنوان ((تحليل نفسي للثقافة)) أن أضيف بعض الأفكار التي نشرت من قبل في دراسات أخرى، فتجمع هنا تحت عنوان ((تركيب نفسي للثقافة)) وتحت عنوان ((تعايش الثقافات)).
    فهذه الإضافة تمليها طبيعة المنهج ووحدة الموضوع.

    م.ب
    القاهرة : 26/02/1959




    avatar
    فاطنة الدوسري
    مشرفة منتدى العام


    عدد المساهمات : 89

    مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي Empty رد: مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي

    مُساهمة من طرف فاطنة الدوسري الجمعة أكتوبر 16, 2009 7:52 pm



    الفصل الأول

    تحليل نفسي للثقافة

    أوليات

    ما هي الثقافة ؟ ..

    ليس في مقدرونا اليوم أن نعالج موضوعا كهذا دون أن نجد أنفسنا -في حالة التطور الراهنة في العالم العربي - أمام مشكلة لغوية وتاريخية.
    فمن أين جاءت كلمة (ثقافة) ومنذ متى استخدمت في اللغة العربية؟..
    إن أول فكرة تخطر لنا للإجابة عن سؤال كهذا هي أن نستشير قاموسا، ولكن القواميس الموجودة بين أيدينا لا تذكر هذه الكلمة إلا لماما -سواء في ذلك القديمة والحديثة. فلسان العرب يقول في المجلد العاشر : "يقال ثقف الشيء -وهو سرعة التعلم. ابن دريد : ثقفت الشيء حذقته، وفي حديث الهجرة : هو غلام لقن ثقف أي ذو فطنة وذكاء، والمراد أنت ثابت المعرفة بما يحتاج إليه".
    والعلامة فريد وجدي يقول في دائرة معارف القرن العشرين (المجلد الثاني) : (ثقف يثقف ثقافة) فطن وحذق، و(ثقف العلم في أسرع مدة) أي أسرع أخذه، و(ثقفه يثقفه ثقفا) غلبه في الحذق، و (الثَّقيف) الحاذق الفطن.
    والقواميس الحديثة تقول : ((ثقف ثقافة: صار حاذقا خفيفا، وثقف الكلام فهمه بسرعة)).
    وفي هذه النصوص من التشابه ما يدعونا إلى أن نعتبرها نسخة مكررة، نقل بعضها عن بعض.
    فإذا ما رجعنا قليلا في مجال هذا البحث لم نجد أثرا لتلك الكلمة في لغة ابن خلدون {وردت الكلمة مرتين أو ثلاث في المقدمة بصورة أدبية كمفردة لغوية دون الوقوف عند كلمة (ثقافة) كمفهوم وتقديرها كظاهرة اجتماعية.} الذي يعتبر على أية حال المرجع الأول لعلم الاجتماع العربي في العصر الوسيط. ولو زدنا في رجوعنا إلى ما قبل ذلك لم نجد الكلمة مستعملة في العصر الأموي والعباسي، إذ لا أثر لها في اللغة الأدبية، أو في اللغة الرسمية والإدارية لذلك العصر، فتاريخ هذه الحقبة لم يرو وجود لائحة إدارية خاصة بمنظمة أو عمل من الأعمال يتصل بالثقافة، ولم يحدث أن وقفت عين من الأعيان لفائدة عمل أو منظمة من هذا القبيل.
    ومع ذلك فإن تاريخ هذه الحقبة يدل على أن الثقافة العربية كانت آنئذ في قمة ازدهارها.
    لعل في هذا الموقف نوعا من التعارض، ولكنه تعارض لا يتصل بمسألة لغوية فحسب، فإن الاختلاف بين الموقفين أكثر عمقا، إذ هو الفرق بين واقع اجتماعي وبين درجة تقبله كفكرة في مجال شعورنا، أي كعنصر من عناصر الإدراك مندمج في بنائنا العقلي.
    وهذا الواقع من الدقة بحيث يحتاج إلى مزيد من الإيضاح، فالحق أن المشكلة هي مشكلة ما جرينا عليه في تحديد معاني الأشياء بصفة عامة.
    كيف يتكون تعريف معين في عقولنا ؟..
    إن من الواجب أن نعود إلى العناصر االنفسية الاجتماعية للمشكلة.
    فـ ((يونج)) يعرف ((الذات)) أو ((الأنا)) في صورة أخاذة فيقول ((الأنا)) هي جزيرة صغيرة في مجال غير محدود يمثل ((اللاشعور)).
    ولابد أن نضيف إلى هذه الصورة عنصرا آخر كيما تصبح صالحة لما نحن بصدده، فالجزيرة الصغيرة تحمل منارا يغمر بضوئه امتداد المياه حوله، فالمنار هو شعورنا، والمساحة التي يغمرها الضوء هي مجال شعورنا، وهي تتراءى في صورة من الضوء تتفاوت في مدى امتدادها حول الجزيرة، فكل ما يقع خارج هذا المجال يغمره الظلام، وهو داخل في مجال اللاشعور بالنسبة لعالم ذواتنا الباطن، كما يتصل بمجال ((الشيء الممكن)) بالنسبة للعالم الخارجي، عالم الشيء الذي لم تتحقق شخصيته بعد أمام شعورنا، أي الشيء الذي هو مجرد ((حضور))، لا يتمتع بكيان مقرر.
    إن ((الشيء)) لا يعد موجودا بالنسبة لشعورنا إلا عندما يلد فكرة تصبح برهانا على وجوده في عقلنا، فكل ما ينضوي، داخليا أو خارجيا، في منطقة الضوء التي تحوط جزيرتنا يصبح ((فكرة)) تدخل إلى مجال معرفتنا، أي إلى شعورنا ولكنه عندما يتم دخوله في هذه المنطقة من الضوء يصبح حضوره وجودا حقيقيا،وحينئذ تنكشف شخصيته، ويوضع بالتالي اسم يطلق عليه.
    تلك هي عملية الإدراك عندما نريد أن نفهم الأشياء من الوجهة النفسية، أعني من وجهة نظر الفرد. أما إذا أردنا تناولها من وجهة اجتماعية فسيكون علينا أن نحدث تفرقة بين الواقع الاجتماعي المدرك المتحقق، أي الواقع المترجم إلى مفهوم، المدرك على أنه موضوع للدراسة والمعرفة.
    إن لكلتا العمليتين وجوها متماثلة : فتحقيق الشيء يتم بواسطة الإدراك الشعوري ثم يترجم إلى ((اسم)). وتحقيق الواقع الاجتماعي يتم بواسطة التصنيف ثم يترجم إلى ((مفهوم)).
    فالاسم إذن هو أول تعريف للشيء الذي يدخل في نطاق شعورنا، فهو تصديق على وجوده، وهو القوة التي تستخرجه من الفوضى المبهمة فتسجله في عقلنا حقيقية محددة.
    والاسم بهذا الوضع يعتبر إذن أول درجة من درجات المعرفة، وأول خطوة نخطوها نحو العلم. فإذا سميت ((شيئا)) فمعنى ذلك أنك تستخرج منه فكرة معينة، أي أنك تؤدي أول عمل من أعمال المعرفة بالنسبة لذلك الشيئ، وهو العمل الذي يغير ((حضوره)) المجرد في ذلك الامتداد الهائل الذي يحوط ((الأنا)) إلى ((وجود)) تدركه ((الأنا)).
    ولو أننا قرأنا وصف الحق تبارك وتعالى للمشهد الذي يدعو فيه عز وجل آدم إلى تسمية الأشياء بأسمائها في قوله : (( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)). فربما أخطأنا فلم ندرك معنى الآية، إلا على أنه يصف لنا مشهدا بسيطا، والأمر على عكــس ذلك تماما، فينبغي أن نرى هنا في تلك الصورة الرمزية أول عمل جوهري للعقل الإنساني حين يسيطر على الأشياء، وهو يخلع عليها أسماءها، الأمر الذي لم تستطعه الملائكة.




    avatar
    فاطنة الدوسري
    مشرفة منتدى العام


    عدد المساهمات : 89

    مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي Empty رد: مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي

    مُساهمة من طرف فاطنة الدوسري الجمعة أكتوبر 16, 2009 8:13 pm




    عملية التعريف :

    ومع ذلك فهذا العمل الأول لا يعطينا سوى معرفة تجريبية، أعني معرفة تدخل في مفهوم التجربة، فإذا ما نظمت هذه المعرفة تبعا لقواعد الفكر أخذت صفة العلم بسبب هذه القواعد.
    فهناك إذن عملية تعريف تبدأ عندما يطلق الاسم على الشيء، وتنمو كلما أخذ الشيء معنى مركبا، أي أنه بعد أن يصبح فكرة ثم مفهوما ..الخ.
    ولقد اتبعت فكرة الزمن -مثلا- هذا السياق، فإن الزمن لم يكن شيئا مذكورا، أو بمعنى أصح كان شيئا لا عنوان له طالما لم يخترع الإنسان كلمة يطلقها عليه.
    ثم أخذ اسما حقق وجوده، فانتقل بذلك من مرحلة ((الحضور)) إلى مرحلة ((الوجود)) المعبر عنه بكلمة، ولكنه في ظل هذه الكلمة لم يكن يعني شيئا كبيرا، بل كان فقط فكرة غامضة عن المدة الزمنية. تلك معرفة تجريبية. لكن هذه الفكرة سوف تنمو في عقل الإنسان كلما نظّم نشاطه في نطاق المدة، فكان من نتيجة تقسيم العمل في المجال الاجتماعي تقسيم الزمن في المجال النفسي، ومنذ ذلك الحين أصبح الزمن كمية تخضع للقياس، وإن كان هذا القياس ما زال في أول الطريق، فالعمل يقدر باليوم لا بالساعة، لسبب بسيط هو أن وحدة الزمن لم يتم تحديدها بعد فحديث القدماء عن الساعة لم يكن حديثا عن كمية محددة من الزمان، فكان على الانسانية أن تنتظر الحضارة العربية لترى الزمان يقاس في النهاية قياسا رياضيا، لأن أحد الفلكيين المسلمين بالمغرب وهو أبو الحسن المراكشي قد اخترع وحدته حين حدد ((الساعات المتساوية))، أعني حين قسم مدة دوران الأرض أربعا وعشرين جزءا متساويا.
    فمنذ ذلك الحين انتقل تحديد الزمن من المرحلة التجريبية إلى المرحلة العلمية.
    ومنذ ذلك الحين أيضا نمت فكرة الزمن حتى انتهت إلى 'تايلور'، الذي جعل منها قاعدة جوهرية في التنظيم الصناعي في القرن التاسع عشر.
    وها نحن اليوم نرى أن تلك القاعدة تسيطر على جميع نواحي النشاط الإنساني، حتى لنراها قد صارت جزءا من مفهوم ((الثقافة)) في القرن العشرين، باعتبارها عنصرا جوهريا في بناء (أنا) الفرد في المجتمع الحديث.

    فكرة الثقافة

    هذه العملية التي فرغنا من وصفها فيما يتصل بفكرة الزمن يمكن -في قليل أو في كثير- أن تعطينا فكرة عن كيفية تعريف (وحدة) أخرى كالثقافة مثلا.
    فهناك ظاهرة تثقيف تلقائي هي ثمرة طبيعية لأي مجتمع في أي وضع كان. وبهذا المعنى يستطيع علماء الأجناس أن يتحدثوا عن ثقافات المجتمعات البدائية.
    ذلك واقع اجتماعي عام -حتى في المجتمعات البدائية- ولكنه واقع ظل زمنا طويلا دون تحديد، أي أنه ظل مجرد شيء حاضر عار عن التسمية، وبذلك لم يتح له أن يصبح فكرة.
    فروما كانت لها ثقافة (امبراطورية) كما كان لأثينا (ثقافة حضارة) -كما سنرى فيما بعد- ولكن لا العبقرية الرومانية ولا العبقرية الإغريقية ابتكرت لفظا أطلقته عنوانا على ثقافتها.
    وكل ما كان في روما أو في أثينا إنما هو (حضور) ثقافة ما، لا تحديد وتشخيص لواقع اجتماعي، أو تعريف لفكرة (ثقافة). وهكذا أيضا كان الأمر في دمشق وفي بغداد. فليس لنا أنعجب إذا لم نجد كلمة ((ثقافة)) في وثائق العصر، أو في مؤلفات ابن خلدون، لأن فكرة الثقافة حديثة جاءتنا من أوربا. ثم إننا نجد فيما كتب حديثا عن هذا الموضوع في البلاد العربية أن الكتاب يقرنون دائما كلمة (ثقافة) بكلمة Culture مكتوبة بحروف لاتينية، كأنما يبتغون بهذا أن يقولوا إن كلمة ثقافة لا تكتب إلا بهذا الوضع. وهؤلاء المؤلفون يعلمون دون ريب ما يفعلون حين يقرنون الكلمة العربية بنظيرتها الأجنبية فإن معنى هذا أنهم يدركون أن الكلمة لم تكـسب بعد في العربية قوة التحديد التي ينبغي أن تتوفر لكل علم على مفهوم. فالكلمة إذن جديدة، أي أنها وجدت بطريقة التوليد، والغريب أن الكاتب الذي صاغها -وربما كان ذلك في مستهل هذا القرن {لعل من المهم أن يهتم باحث بالكشف عن اسم واضع هذا التوليد : من تاريخ إضافته إلأى ثروة الكتابة العربية.} قد اختارها من بين عدد من الأصول اللغوية من مثل : (علم - أدب- فهم- أدرك-ثقف) تلك الكلمات التي تدل على العمل أو العلاقة المعرفية، ومعنى هذا أنه اختار الكلمة التي تدل صورتها على طابع الروح الجاهلية.
    وبوسعنا أن نقول : إن الفعل (ثقف) أصل لغوي يتصل تاريخه بلغة ما قبل الاسلام، حتى لنراه قد ورد في بعض آيات من القرآن الكريم من مثل قوله تعالى :
    (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)
    ولا شك أن الذي اشتق كلمة (ثقافة) كان صناعا ماهرا في علم العربية، حريصا على تجويد اللفظ وصفائه، على ما عليه عدد من كتاب الأدب في هذه الأيام.
    ولكن يبدو لنا أن كلمة (ثقافة) التي كان من حظها أن تختار لهذا المعنى لم تكتسب بعد قوة التحديد اللازمة لتصبح علما على مفهوم معين. وهذا هو ما يفسر لنا أنها بحاجة دائما إلى كلمة أجنبية تقرن بها لتحديد ما يراد منها في الكتب التي تتصدى لهذا الموضوع. أو بعبارة أخرى أنها كلمة لا تزال من اللغة العربية تحتاج إلى عكاز أجنبي مثل كلمة (Culture) كي تسير.
    والواقع أن فكرة (ثقافة) كما سبق أن قلنا فكرة حديثة، جاءتنا من أوربا والكلمة التي أطلقت عليها هي نفسها صورة حقيقية للعبقرية الأوروبية. 
    فمفهوم (ثقافة) ثمرة من ثمار عصر النهضة عندما شهدت أوروبا في القرن السادس عشر انبثاق مجموعة من الأعمال الأدبية الجليلة في الفن، وفي الأدب، وفي الفكر.
    ومن الواجب أن نترجم هذه الظاهرة في ضوء النفسية الأوربية، وعلى الأخص في ضوء النفسية الفرنسية، حتى نفهم لماذا اختيرت كلمة (Culture). (المشتقة من الأصل اللاتيني (Cultuvare) كيما تطلق على صورة ما تفتقت عنه أذهان المفكرين.
    فالواقع أن الأوروبي بعامة، والفرنسي بخاصة هو (إنسان الأرض).
    وأن الحضارة الأوربية هي (حضارة الزراعة)، وعليه فإن العمليات التي تستنتج الأرض خيراتها -كالحرث والبذر والحصاد- لها بالضرورة دور هام في نفسية الإنسان الأوربي. كما أن لها دورا هاما في صياغة رموز حضارته، إذ أن الزراعة هي العملية التي تضم بين دفتيها جميع العمليات السابقة، فهي التي تحدد وتنظم إنتاج الأرض.
    فإذا حدث في بعض الظروف -كتلك التي صبحت حركة النهضة في أوربا -أن تعاظم إنتاج الفكر، فلن تكون هناك غرابة إذا ما أطلق عليه الرجل الفرنسي كلمة (Culture)التي تعني الزراعة، إطلاقا مجازيا.
    بيد أن هذه الاستعارة -وهي ما يهمنا في هذا المكان- قد شخصت وصنفت واقعا اجتماعيا لم يكن مدركا، فالاستعارة حين أطلقت على الواقع الاجتماعي قد خلقت مفهوما جديدا هو مفهوم (الثقافة).
    فأصبحت (Culture) منذ ذلك الحين فكرة، ولكنها فكرة تجريبية : إنها شيء ((حاضر)) دل على ((وجوده)) بواسطة التسمية.
    تلك هي الدرجة الأولى في سلم التعريف، وتأتي قوة اللفظة (Culture) من أنها مرت بهذه الدرجة، ثم نمت في اللغات الأوروبية منذ ذلك الحين.
    ومن هنا نفهم أيضا أن كلمة (ثقافة) العربية لم تكتسب إلى الآن قوة التحديد التي كان لنظيرتها الأوربية وإننا مضطرون من أجل هذا إلى أن نقرنها بكلمة (Culture) في مؤلفاتنا الفنية، حتى كأنها دعامة تشد من أزرها في عالم المفاهيم.




    avatar
    حامل المسك
    عضو


    عدد المساهمات : 58

    مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي Empty رد: مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي

    مُساهمة من طرف حامل المسك السبت أكتوبر 17, 2009 12:13 am

    مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي RKalam-026
    avatar
    فاطنة الدوسري
    مشرفة منتدى العام


    عدد المساهمات : 89

    مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي Empty رد: مشكلة الثقافة- لمالك بن نبي

    مُساهمة من طرف فاطنة الدوسري السبت أكتوبر 17, 2009 9:08 am


    أشكر مرورك الكريم أخ حامل المسك

    وتشريفك للصفحة بهذا الحضور والكلمات الطيبة

    تحياتي واحترامي



      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 12:56 am