جدلية الكتابة و الوجود.
الجزء الأول
. 1
ما معنى أن تكتب؟ ما جدوى أن تكتب؟
الجزء الأول
. 1
ما معنى أن تكتب؟ ما جدوى أن تكتب؟
تكتب مفكرا دخول عوالم البوح و الإفصاح ، الدخول لعوالم الكشف والتقصي للعوالم الجديدة التي تفرض عليك مبدأ الخروج من الضيّق المحصور في الأنا، في المخبئ و المتكتم عنه و الغير مصرح به إلى فساحة التعبير و إقرار حرية الأنا و الآخر معا .
أن تكتب و تعرف أن الكتابة أولى المسائل أهمية مذ عرفها الإنسان وتحولها سلطانا عليه ترتب البحث لأجل منفعتها في الحياة وما بعد الحياة؛ من يومها وهي ترتقي مع الحضارات و باختلاف لغات الشعوب؛ من الحجر إلى الرقمية الحديثة و العولمة .
الكتابة خادمة الإنسان بإخلاص كما النار المسروقة من فم البركان ، المأخوذة من بريق السماء حافظ عليها الآدمي داخل مغارته بدافع حبه لنفسه وتحقيقا لرغباته وتأمينا من خوفه . الكتابة خطفا لنار الفكرة والإبداع و الرأي ومثلما لم تعد النار حبيسة الكهف لم تعد الكتابة حكرا على الأثرياء و القياصرة و الملوك بل صارت متاحة للجميع ولا يهم معرفة القراءة بعينين أو بإشارات أو بطريقة براي.
هي الطاقة الكامنة داخل الإنسان المحترق بلهيب واقع مؤلم من جهة "الكاتب الرسالي"؛ بحثا عن راحة وخلاص الإنسانية و العالم " القديس"؛ منفعة ونفاق و زخرف الحياة " كلب السلطان"؛ تشكيكا و فتنة " كاتب المؤامرة"؛ والكاتب القضية هو من حمل همّا داخله، شحنة القلق والتوتر ، إحساسا وشعورا وكيانا ذاتيا، تنظيما داخليا وبناء دافعيا . الهمّ أو القضية لهب مشتعل لا ينطفئ إلا بكتابته حروفا من أول المخاض إلى آخره. مهما تعسرت الولادة تخضع لعملية قيصرية . رغبته المتأصلة فيه وعلى قدر مستوى الكتابة تتكون مستويات إبداعه.
إن الرغبة في الكتابة شحنة تحركها الإرادة والتفكير فيها شيء يشبه الجنون ، تتخلل تركيبة العقل العادية لتحوّلها إلى جهد واحتواء العقل في مركزه إلى هامش البحث حيث الهامش موضع ملاحظة دقيقة وعلامات مؤشرة محل انتباه. قبل التفكير في الكتابة، ألا يطرح الكاتب سؤاله: ما معنى أن أكتب شيئا عاديا؟ جدوى الكتابة؟ أنت تريد إذا أنت كتبت، أو ماذا تريد لتحاول الكتابة؟ من يخوّلك الكتابة إن كان حكم البشر نسبي و العدل المطلق عند الله؟ هل و أنت تكتب تظل على موقفك مهما تغيرت المعطيات و أخذت النفس الغريزية متى أعطيت لها الامتيازات؟ هل تكتب و أنت مقتنعا بالديمقراطية و الالتزام و التكامل داخل المجتمع الذي تكتب فيه؟ وترفض أن تسلب هذه الأمور من يعاكسك و يخالفك الرأي؟
ما معنى أن تكتب في واقع يعج بالملل و الخيانة و المؤامرات والفتن؟.
الأجوبة لا تكشف الأسئلة أحيانا و إنما تكشف جزءا منها لا غير.
الكتابة تخضع للشك لا لليقين، تخضع لمبدأ التناقض اليقين في أن الكلمة وحي الله.
الكتابة تخضع صاحبها للتحلي بالشجاعة الكافية لما هو مخبئ في ظلام الغيب الذي يخفي حزمة من أعواد الهاجس و الخوف، الغيب الذي نكتبه معطرا بالطيب و البخور مبعدين عنا صور سياط العذاب و الألم والمعاناة. الكتابة ليست ورود أقحوان ولا مفاتيح مدينة مثالية، ولا قرابة من أمير وسفير. أن تكتب يعني تنتظر المنفى و السخرية ومصادرة الحقوق والمبيت في العراء. أن تكتب يعني أن تكون مهيئا لما قد يطالك ، حالة تأهب، الاستعداد للحظة خطف أو قتل أو محاكمة أو رميا بالسخرية و العزل.
الكتابة توهج في حضرة الفكرة اللهب، ، استنفار لدعوة ، الدعوة حدث النفس فيما يربطها باحتكاكها بما يحيطها؛ أن تكتب جديرا بك خوض تجربة نفسك أو قبول تجارب تأتيك من محيطك الذي يؤثر فيك باستمرار. دعوة الكتابة بداية السؤال المرهون بالمعرفة المتصل بالقرائن. دعوة الكتابة طبيعة فكرة نوع القارئ و المحيط منازل الناس.
السؤال في الكاتبة ضروري، رأس الخيط يجر الإبرة لتخيط الثوب الإبداعي وتتفنن في إلصاق الواسع وحصره في إطار شكله الضيّق. السؤال يلد السؤال يقبل بسؤاله يتعدى غيره ، يتكاثر كبنات النار المتنقلة في الهشيم إلى الهشيم الآخر. السؤال معقود بالطلب، الطلب جزء داخل السؤال المطلق الغير محدود، الطلب محدود وظاهر داخل السؤال المنتهي بالانفلات بلحظة الانتظار و الإطالة والطريق المسدود و النسيان. الانتظار عامل من عوامل الوقت مثله مثل العجلة الاستعجال. الوقت و السؤال عاملا متلازمة كتابية.
مفتاح الولوج عتبات القضية موضوع الفكرة اقتحام العتبات خاضع للمعرفة و العلم و البلاغة و إخراج الذكاء الذي يستهجن العبارات المنمقة الجوفاء الفارغة المزخرفة، الذكاء لا يحصره الخطاب و العبارات ، اللغة في خدمة الذكاء؛ الذكاء كيفية الوصول إلى القارئ العادي و الغير العادي على السواء مستعينا بالشرح و الفهم .
أن تكتب متحرجا يعني أن تضمر أفكارك و رؤاك التي تجعلها مستعصية على الفهم لأنها قد لا تفهم أو أنها تفهم خطئا لتدركك تبعات تهويمات القارئ. تهم الكفر و الزندقة والتحريض و الإساءة إلى الله إلى رموز النظام و التاريخ. أن تكتب متحرجا متسترا، تقية لحفظ النفس و اتقاء الشبهة، أن تكتب مواريا حجة الهروب لعدم فهم الآخر محتوى ما يقرأه لك؛ ليس كل ما يكتب هو موجه بالضرورة لقارئ بعينه، القارئ مستويات ووضع القارئ في الحسبان أثناء الكتابة نوع من الرقيب.
حجب الفكرة أحيانا اتقاء الفتنة و إطاعة للقوانين المستبدة التي نحترمها و لا نخرج عن قوانينها لأن الكاتب هو الحرية و الأمن والسلم، هو الكشف وفعل التغيير الهادئ. أن تكتب هو ابتغاء الوصول، الوصول في طريقه يحتاج إلى تبليغ بالوصول؛ نجاح إتمام حركة الانتقال مراعية التدقيق والتصويب متفادية الأخطاء. " أكتب لنفس السبب الذي أتنفس من أجله إذا توقف فسأموت" إسحاق عظيموف.
انتقال النص ــ فكرة ــ تعتمد على الاستيعاب القدر الكبير للقارئ أينما كان و حل. انتقال الخطاب يقتضي معرفة وجهة المكان، الخطاب يخضع للتصنيف، الجهة التي تستقبله تخضع للتصنيف، الناشر يخضع للتصنيف، نقل النص اليوم ممكن أكثر من أي وقت مضى. الانتقال سريع اليوم بفضل التقنية والرقمية و العولمة و الهواتف المحمولة والإشهار السريع و الجرائد الالكترونية. أن تكتب وتجمع ما تكتبه في قرص بحجم ظفر الأصبع يعني أنك تكتب للذكاء. إنها الكتابة الموجهة للقارئ الذي يتعسر وجوده في مكان محدد.
خاصية التمايز ماذا يعني أن تكتب في واقع يتزاحم بالمعضلات والمتغيرات في حشر كثرة الكتاب؟ أن تكتب يعني أن لا تعيد كتابة نصوص الآخرين، التحرر من تبعيتها، طرح إسقاطاتها، أن تكتب أن تضيف، تجدد أن تكمّل، لا تزيح و لا تبغي أن تُزاح، التفرد مع الميزة والتميز كقاعدة؛ تحمل الأحكام بوجود المتشابه، تحمل اعتقاد الآخر، القارئ النقص فيك ووهن ما تكتب و ضعفه؛ أنت مرهون بعامل الوقت وعامل السؤال. هل يعرف القارئ ما استعجلت فيه و ما لم تستعجل؟ هل يعلم القارئ فكرتك فيما يخص الكتابة ومشقة وعذابات كتابة الفكرة؛ اللعبة الخطرة شبيهة لعب الأطفال بالنار؟ الكاتب مبدع متيقنا دخول عتبة القارئ، الكاتب مبدع حين لا يلتفت لإزاحة نص آخر أو يحل محله إنما يقدم الأجود ويترك الآخرين تقرير ما ثبّتوه في ذاكرتهم و في الواقع أم رموه وراء ظهورهم بمجرد قراءة السطر الأول أو الصفحة الأولى.
الكتابة الرسالة اختيار خطاب الجديد، الايجابية في الطرح مكملة لا منقصة و لا محطة من قيمة الكتابات الأخرى، مضيفة لا مكتفية . عتبات الدخول ودخول العتبات كبح للانبهار و التسرع، غربلة العقلي من الهوى، كبح البهيمية والتعصب و دوافع الشر من النفس وتحليتها؛ إطلاق النفس الملائكية المحلقة بروح الله الباحثة عن المطلق داخلها.
أن تكتب تلجم الانبهار لنجاح كتاباتك و ما تحمل من أفكار التي تعيشها في ظلها. أن تلجم غرورك من العروض المقدمة و الحشد المتدفق عليك والورود الملاقاة عليك والتحايا. الزخم المعرفي وحده يمنحك الإمساك بظل الملتزم به اتجاه قضايا الشعب و الفئة التي تنتمي إليها. عدم التسرع في تقبل الحكم أو الرضا عنه إنما الرأي فيمن أبطأ في إعطاء الحكم النهائي. عدم التسرع يدفع لمعاينة الإنتاج و البضاعة العقلية و الروحية مرة بعد مرة، فهناك سوق نقدية موجهة لخطابك.
الكتابة الجيدة لا تتحامل على المنطق وترفض المدح المسهب و المسقط في الغرور. الكتابة الجيدة الملتزمة رجوع للنص، حالة رؤية لحكم ونقل وتصويب، العتبة تؤلف، الوقوف لأجل النقل ومعرفة الفضاء الذي لا يتحمل الخطأ.