نباح الكلاب بقلم:ثامر الزغلامي
تاريخ النشر : 2009-10-29
القراءة : 80
القراءة : 80
اجاد أحد الصحفيين المصريين عندما وصف حالة التعبير غير المسبوقة في بلاده ب "نباح الكلاب" في اشارة الى عدم استجابة القوى المؤثرة في مسيرة البلاد للنداء الاعلامي المتكرر و الى القطيعة بين "السقف العالي" للتعبير و التغيير الذي ينتظر أن يحدثه في المجتمع , اعتبارا للتلازم المنطقي بين الاداء الاعلامي الحر و تطور المجتمع و نموه و بناء على العلاقة الطردية الواضحة بين التنمية في مختلف مجالاتها و السلوك الديموقراطي للمجتمعات الذي قوامه حرية الاعلام و لنا في تجارب بعض البلدان الغربية ادلة على صحة هذه المعادلة .
وهو ما يعني وجود خلل ما في علاقة وظائف وسائل الاعلام بالاراء و المواقف التي تنتجها لدى القوى الاجتماعية و الثقافية و الدوائر السياسية و الاقتصادية التي يلقى على عاتقها مسؤولية الاصلاح و استدراك القصور في انظمة المجتمع .
و الحالة في مصر تنسحب على اغلب البلدان العربية التي عرفت في الفترة الاخيرة تغييرات جذرية في البنية الاتصالية نتج عنها تدفق عال للكلمة و الصورة و الصوت يفسر ربما بحالة المحاصرة الاعلامية التي عاشتها طويلا النخب الاعلاميةفي ظل الصحف و المؤسسات السمعية و البصرية الرسمية و شبه الرسمية .
و تميزت المدونة الاعلامية الحالية بارتفاع منسوب الحرية و التعبير بطرح قضايا و مواضيع كانت في الماضي القريب خطوطا حمرا لا يجوز الخوض في تفاصيلها و لعبت في ذلك الصحافة الالكترونية بمختلف تطبيقاتها دورا محوريا في فتح الابواب المغلقة و الدخول الى المناطق المحرمة .
و كان من المفروض ان يؤدي " السقف العالي" الى ترتيب جديد لمكونات المجتمع تفرز تقاسما للادوار تعود فيه الصحافة و لو جزئيا الى وظيفتها الطبيعية وهي التنبيه للاخطاء وفضح التجاوزات القانونية و التاسيس لمجتمع يحاسب المخطئين و يتطور في ظل حراك ثقافي و سياسي و اقتصادي يتجاوز الاشكالات بالعودة الى القانون و مؤسسات الدولة .
و لكن ذلك لم يحصل و ظلت حالة التعبير حبيسة محركات البحث و رفوف مراكز التوثيق و الارشيف او ضاعت مع الاثير دون تاثير يذكر او متابعة من قبل اصحاب القرار تقود الى التغيير و الاصلاح .
و لعل ذلك يعود الى اسباب مختلفة اهمها ان "السقف العالي" الذي نتحدث عنه فرضته الارادة الحرة لبعض الصحفيين و الانفلات التكنولوجي الذي عجزت السلطات عن ادارته بكفاءة عالية كما كانت تدير وسائلها الرسمية حتى اضحت بلا طعم و لا لون و لا رائحة .
و لم يكن بالتالي نتاجا لارادة سياسية عربية مقتنعة بالاعلام كشريك ايجابي في السلطة حتى بعد تحرر القطاع تقنيا. ارادة سياسية ترفض الى حد الان الاعتراف بحالة التعبير هذه كمعطى واقعي لا يمكن التضييق عليه او التخلص منه. وهو ما يفسر احيانا مواقف الاحراج المتكررة التي تقع فيها نتيجة عدم تهيئها و استيعابها لضرورات الفضاء الاعلامي الجديد الذي لا مجال فيه لصناعة المعلومة داخل مختبرات خاصة .
و لم تتحول بالتالي حالة التعبير الى حرية للتعبير تتيح للصحفيين الضمانات القانونية اللازمة لتحريك المياه الراكدة دون ملاحقة .
و يبقى التفاؤل جائزا بمستقبل افضل لوضعية " السقف العالي" في العالم العربي انطلاقا من مسلمات كثيرة ابرزها ان التقنية لا تعود الى الوراء و ان المجتمع الدولي يتجه شيئا فشيئا الى تضامن اكثر جدية و فاعلية بين منظمات حقوق الانسان التي اتسع مجال عملها و تضاعف تاثيرها في حياة الشعوب .
كما اتاحت السنوات الاخيرة جيلا من الصحفيين يؤمن بدوره ك "قائد راي" يجدر الاستماع الى رسائله المتكررة و يتشبث بالسقف العالي حتى و ان كان حرية محفوفة بالمخاطر و حالة من الصراخ بلا مجيب .
ثامر الزغلامي
صحافي من تونس
وهو ما يعني وجود خلل ما في علاقة وظائف وسائل الاعلام بالاراء و المواقف التي تنتجها لدى القوى الاجتماعية و الثقافية و الدوائر السياسية و الاقتصادية التي يلقى على عاتقها مسؤولية الاصلاح و استدراك القصور في انظمة المجتمع .
و الحالة في مصر تنسحب على اغلب البلدان العربية التي عرفت في الفترة الاخيرة تغييرات جذرية في البنية الاتصالية نتج عنها تدفق عال للكلمة و الصورة و الصوت يفسر ربما بحالة المحاصرة الاعلامية التي عاشتها طويلا النخب الاعلاميةفي ظل الصحف و المؤسسات السمعية و البصرية الرسمية و شبه الرسمية .
و تميزت المدونة الاعلامية الحالية بارتفاع منسوب الحرية و التعبير بطرح قضايا و مواضيع كانت في الماضي القريب خطوطا حمرا لا يجوز الخوض في تفاصيلها و لعبت في ذلك الصحافة الالكترونية بمختلف تطبيقاتها دورا محوريا في فتح الابواب المغلقة و الدخول الى المناطق المحرمة .
و كان من المفروض ان يؤدي " السقف العالي" الى ترتيب جديد لمكونات المجتمع تفرز تقاسما للادوار تعود فيه الصحافة و لو جزئيا الى وظيفتها الطبيعية وهي التنبيه للاخطاء وفضح التجاوزات القانونية و التاسيس لمجتمع يحاسب المخطئين و يتطور في ظل حراك ثقافي و سياسي و اقتصادي يتجاوز الاشكالات بالعودة الى القانون و مؤسسات الدولة .
و لكن ذلك لم يحصل و ظلت حالة التعبير حبيسة محركات البحث و رفوف مراكز التوثيق و الارشيف او ضاعت مع الاثير دون تاثير يذكر او متابعة من قبل اصحاب القرار تقود الى التغيير و الاصلاح .
و لعل ذلك يعود الى اسباب مختلفة اهمها ان "السقف العالي" الذي نتحدث عنه فرضته الارادة الحرة لبعض الصحفيين و الانفلات التكنولوجي الذي عجزت السلطات عن ادارته بكفاءة عالية كما كانت تدير وسائلها الرسمية حتى اضحت بلا طعم و لا لون و لا رائحة .
و لم يكن بالتالي نتاجا لارادة سياسية عربية مقتنعة بالاعلام كشريك ايجابي في السلطة حتى بعد تحرر القطاع تقنيا. ارادة سياسية ترفض الى حد الان الاعتراف بحالة التعبير هذه كمعطى واقعي لا يمكن التضييق عليه او التخلص منه. وهو ما يفسر احيانا مواقف الاحراج المتكررة التي تقع فيها نتيجة عدم تهيئها و استيعابها لضرورات الفضاء الاعلامي الجديد الذي لا مجال فيه لصناعة المعلومة داخل مختبرات خاصة .
و لم تتحول بالتالي حالة التعبير الى حرية للتعبير تتيح للصحفيين الضمانات القانونية اللازمة لتحريك المياه الراكدة دون ملاحقة .
و يبقى التفاؤل جائزا بمستقبل افضل لوضعية " السقف العالي" في العالم العربي انطلاقا من مسلمات كثيرة ابرزها ان التقنية لا تعود الى الوراء و ان المجتمع الدولي يتجه شيئا فشيئا الى تضامن اكثر جدية و فاعلية بين منظمات حقوق الانسان التي اتسع مجال عملها و تضاعف تاثيرها في حياة الشعوب .
كما اتاحت السنوات الاخيرة جيلا من الصحفيين يؤمن بدوره ك "قائد راي" يجدر الاستماع الى رسائله المتكررة و يتشبث بالسقف العالي حتى و ان كان حرية محفوفة بالمخاطر و حالة من الصراخ بلا مجيب .
ثامر الزغلامي
صحافي من تونس