أهل الحل والعقد
إعداد الدكتور خالد الأحمد
من أهم المصطلحات المستخدمة في الفكر السياسي الإسلامي القديم والمعاصر، فمن هم أهل العقد والحل.
ذكره الماوردي بهذا التريب (العقد والحل) مرة، ومرة (الحل والعقد) يقول: (والإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل العقد والحل. والثاني بعهد الإمام من قبل: فأما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد، فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد بع الإمامة منهم على مذاهب شتى، فقالت طائفة لاتنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد.... ثم يقول: فغذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار...
أما لماذا سُمِّيَ هؤلاء بأهل الحل والعقد؟ فهذه تسمية ابتكرها علماء الشريعة المسلمون، وليس عليها نص صريح في القرآن أو السنة، ومن استدل عليها بنص أو حديث أو بما يشبه النص، فإنما كان ذلك على سبيل التوسع والتأويل. ولم نهتدِ إلى أول من وضع هذا التعبير أو أول من أطلقه، وكل ما عثرنا عليه من إشارات ليس فيها الدلالة الكافية في كتب أصول الفقه.
ولما كان أهل الحل والعقد يستندون في سلطتهم إلى مبدأ الشورى فقد ذهب البعض إلى تسميتهم "بأهل الشورى"، وهي تسمية أفضل وأوضح، وإن كنا سنلتزم بالتسمية الشائعة؛ لأنها المُعِيْنَة على البحث في كتب الفقه والتراث، مع ذهابنا إلى أن تطوير المفهوم ليكون "أهل الشورى" وتحريره وتطويره أمر لازم لأولي التخصص.
وقد استخدم الماوردي في نفس الموضع مصطلح (أهل الاختيار) ويبدو أنه يقصد بهم أهل العقد والحل يقول: (فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم،... وإن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان: أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا إماماً للأمة، والثاني أهل الإمامةحتى ينتصب أحدهم للإمامة، وليس على من عدا هذين الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مأثم...) فأهل الاختيار هم الذين يختارون الإمام، وسبق معنا قوله (والإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل العقد والحل...) وهذا يدعونا إلى القول أن أهل الاختيار عند الماوردي هم أهل العقد والحل.
ويستخدم الماوردي أيضاً مصطلح أهل الشورى ويقصد به الذين أوكل لهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه اختيار الخليفة من بعـده ، وهؤلاء أشبه بمكتب أهل العقد والحل، حيث أن عبد الحمن بن عوف رضي الله عنه شاور العشرات من غير هؤلاء، أي أن أهل العقد والحل أوسـع من أهل الشورى الذين أوكل لهم عمر مهمة اختيار الخليفة.
يقول الدكتور صلاح الصاوي يحفظه الله: (يذكر النووي رحمه الله أن أهل الحل والعقد هم العلماء والرؤساء ووجوه الناس، ويعلل ذلك بقوله: لأن الأمر ينتظم بهم ويتبعهم سائر الناس (نهاية المحتاج للرملي 7/120). ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنهم اصحاب الأمر وذووه، وأن ذلك يشترك فيه صنفان من الناس أهل القدرة وأهل العلم، فيدخل فيهم الملوك والمشايخ وأهل الديوان وكل متبوع مطاع...) ويلاحظ الباحث أن هذا المصطلح يختلط بمصطلح أولي الأمر عند العلماء القدامي.
يقول الصاوي والمتأمل في هذه المقولات يستطيع أن يخلص بما يلي:
ـ أن أهل الحل والعقد هم أهل الزعامة الدينية والدنيوية في الأمـة، وهم أصحاب الحل والعقد وذووه، ممن إذا رضوا رضي الناس، وإذا اجتمعت كلكتهم أوكلمة جمهورهم على الأقل اجتمعت باجتماعها كلمة الأمـة ؛ فمن لاحل عنده ولاعقد لديه فلا دخول لـه في هذه الطائفـة... وهذا التعبير ينتظم طائفتين من الناس: أهل العلم الذين يتبعهم الناس لما لهم من الفقـه في الديـن والدعـوة إليه والانكار على من خالفه. وأهل القدرة الذين يتبعهم الناس لما لهم من الثقل السياسي والاجتماعي في الأمة، وتعبير أهل القدرة ينتظم كذلك فريقين: أهل الخبرة في اللشئون العامة، ومن لهم قيادة أو رياسة في الناس كزعماء البيون والأسر وشيوخ القبائل ورؤساء المجموعات ونحوها (مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي لحسن البنا).
أهل الحل والعقد في واقعنا المعاصر: هم كل متبوع مطاع في واقع العمل الإسلامي ممن تحقق لديه الحد الأدنى من الانتساب إلى جماعة المسلمين في إطارها العلمي وذلك بالالتزام المجمل بالإسلام عقيدة وشريعة، والانكار على الخارين عليه، وعدم التزامه ابتداء بفؤقة ضالة كالخوارج أو الروافض ونحوه... ويتمثل هؤلاء في الواقع في قادة الدعوات، ومن كتب الله لهم قبولاً عاماً بين الناس من العلماء والدعاة وإن لم يكن لهم انتساب إلى مدرسة بعينها من مدارس العمل الإسلامي المعاصر، كما يتمثلون في وجهاء الناس وأولو المكانة والخبرة في الأمة وموضع الثقة من سوادها الأعظم وممن صح انتسابهم إلى الجماعة في لإطارها العلمي) ص33 جماعة المسلمين، صلاح الصاوي)
ثم يقول الصاوي: ناقلاً عن الماوردي في الأحكام السلطانية (ص5) (وأهل الحل والعقد هم أهل الاختيار يشترط فيهم مايشترط في أهل الاختيار من العدالة، والعلم، والكفاية والرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار الأصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف)
يتبع