من الإسلام السياسي إلى الإسلام
إبراهيم غرايبة، صحيفة الغد
يبدو المشهد القادم للعالم الإسلامي خالياً من الحركات والجماعات الإسلامية المعتدلة منه والمتطرفة، فقد استنفدت الأولى أغراضها ولم تعد قادرة على استيعاب التحولات الإسلامية والمجتمعية، والمتطرفة أيضاً ستتعرض لملاحقة وتصفية دون رحمة، بل ستكون مطاردتها وتصفيتها بالنسبة للولايات المتحدة وللأنظمة السياسية كلها مثل رحلة صيد ممتعة.
وقد استدرجت المجموعتان من الحركات الإسلامية إلى رد فعل على أزمة أرادت الخروج منها، وانتهت إلى أزمة خلقتها هي بوجودها وعجزها عن تحقيق الحسم.
ولكن الإسلام سيبقى حاضراً يصوغ المجتمعات ويسهم في تشكيل مستقبلها، فالدين كان باستمرار كما يلاحظ حسن حنفي في كتابه (الإسلام السياسي بين الفكر والممارسة) وسيلة للتغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي وحركة اجتماعية تعبر عن قوى اجتماعية مضطهدة أو مهمشة في المجتمع ضد قوى التسلط والطغيان، وكان الدين أداة لتحرير الشعوب مثل تحرير اليهود من قبضة فرعون، وكان وسيلة لجمع القبائل وتأليفها كما في الجزيرة العربية.
ويلاحظ عبد الإله بلقزيز أن الإسلام يسجل حضوراً متجدداً في ميدان العلاقات الاجتماعية والسياسية، ولم تعد السياسة تملك أن تعبر عن نفسها بمعزل عن الدين، ليس فقط بالنسبة للذين أتقنوا دائماً الصلة بينهما كالإسلاميين، بل حتى بالنسبة للذين جربوا باستمرار تجاهل ورفض تلك العلاقة. إن الإسلام – بالتعريف – عقيدة وثقافة وحضارة، وأما الحركات الإسلامية فهي حركات سياسية دون زيادة أو نقص، وهذا لا يعني تجاهل إنجازات الحركة الإسلامية المعاصرة وتضحياتها، فقد بذلت وحققت الكثير في صون هوية الأمة، وتحرير الأرض من الاحتلال، ومواجهة الاضطهاد والتهميش، ثم هي قوة سياسية رئيسية بين الشعوب العربية والإسلامية استعادت بعض توازنات علاقات الصراع الداخلي بين المجتمع والسلطة. وأضافت الحركة الإسلامية للعمل القومي والسياسي والإصلاحي بعداً دينياً استنهض طاقات الأمة وعبأها، وكسرت احتكار الدين الذي كانت تمارسه السلطة السياسية لتجعله عملاً شعبياً واسع النطاق، واستعادت الأمة هذا الكنز الروحي المصادر وأعادت حيويته الوظيفية الاجتماعية والتحررية للإسلام ليكون سلاح المستضعفين في مواجهة الطغيان والاستضعاف.
وبالطبع فإن اختفاء الحركات الإسلامية القائمة اليوم إن صح هذا التقدير لن يكون مفاجئاً أم يتم مرة واحدة، ولكن الجيل القادم سيعتبرها على الأغلب تراثاً أو تجربة تاريخية كما ينظر جيلنا على سبيل المثال للحركات اليسارية والقومية، وكما ينظر لرموزها وقادتها الباقين على قيد الحياة. ومن ثم فإن الحديث عن مستقبل الحركة الإسلامية يبقى وجيهاً وقائماً ومطلوباً.