القراءة والبحث والمثابرة ... أين الأهميّة
صفحة: 1/4
كنتُ، أنا وأحد الإخوة، من أقرب الأصدقاء، منذ طفولتنا . جمَعَنا قُربُ المكان، ووحدة الانتماء . واستمر زميلاً لي في فترة الدراسة حتى تخرّجنا في الجامعة …
لكن طول الصحبة هذا لم يجعلْنا متشابهَيْن كثيراً، ومواقفُ اختلافنا لم تكن قليلة . وهذا الخلاف بيننا - وإن لم يفسد مودّتنا - كان يعبّر عن اختلاف في طرائق تفكيرنا، ونظرتنا إلى الحياة والمجتمع . وأكثر ما كنت أؤاخذ أخي به مبالغته في تبنّي قيمة " العلم "، وإصرارُه على أن يأخذَ العلم مكانه في اهتمامنا، واقتناعه بأن العلم يقدّم حلولاً لكثير من مشكلات الحياة … ولهذا كان يقضي كثيراً من وقته في الاتصال بالعلم، ومطالعة الكتب ومصادر المعلومات، والبحث والتحرّي والتنقيب …
أما أنا فكنت أرى أنني أخذت قسطاً وافياً من العلوم الدينية والدنيوية، في مراحل الدراسة، من الجامعة والجماعة، وأنّ عَلَيّ الآن أن أبذل جهدي في ميادين الحياة والعمل . وليس صعباً عليّ أن أعرف الجديد من العلوم حين أريد … بل كنت أشفق على صاحبي هذا أنه يُتعب نفسه، ويهدر وقته فيما يفعل .
غير أني رأيت نفسي أُخفّف من كثرة نقدي لصاحبي هذا، وذلك لمواقف كثيرة مررتُ بها، أذكر ههنا ثلاثةً منها :
1. في أحد الدروس التي نحضرها معاً، تقرّر أن يُحضّر كل منّا تفسيراً لآية من القرآن الكريم، للجلسة القادمة .
ولأنني أحب قراءة كتب التفسير فقد جمعت ما قيل في تفسير للآية من كل ما وقع أمامي من كتب التفسير، وكانت ستة كتب، وقضيت في نقل أقوال المفسّرين، وتبييض البحث ساعات طويلة . لكننا يوم أن قدّمنا البحث ضايقني أنّ بحثي لم يَحْظَ بالاهتمام والنقاش كالذي حظي به بحثُ أخي .
ولأعترفْ . لقد اقتنعتُ أن بحث أخي كان أفضل من بحثي في منهجيّته وترتيبه، وفي أمر ثالث لا أقْدِر عليه بالتأكيد، وهو ربط ما قاله المفسّرون بخلفيّات من علوم أخرى كالعقيدة والتاريخ واللغة .
وعلمتُ أن ما قضاه هذا الأخ في بحثه من الوقت والجهد لم يكن أكثر مما قضيته أنا
منقول