وأنا أتلقى رسائل القراء في مجلة الأصيلة التي تعنى بقضايا الطفل والأسرة جاءتني رسالة لأم تقول فيه: أنا سيدة متزوجة ولي طفل عمره ثلاث سنوات ونصف تقريبًا، كثير الحركة.. ألمس فيه حسًّا عاليًا في الفهم وسرعة في البديهة.. يتجاوب بسرعة مع ما أشرحه له، لكنه بالمقابل إذا واجهته مشكلة مثلاً في اللعب وفاته الوقت وفشل في الوصول إلى هدفه يرمي اللعبة منزعجًا، ثم يعود ويطالب أحدنا باللعب والفوز وكأنه يريد أن نحقق له ما فشل هو في تحقيقه...
وهذا جعلني أخشى على قدرات ابني من أن تموت بسبب عدم تقبله للفشل، مع العلم أني أقدم له التشجيع والجوائز كلما فاز أو قدم سلوكًا حسنًا أو درسًا جيدا بالمدرسة.. وإذا فشل أقول له لا بأس نحاول مرة أخرى، لكنه في الغالب يرفض ولا يحاول إلا إذا نسي الخسارة التي لحقت به أو إذا عرضت عليه أن نلعب بالتناوب، ولكن بعد إلحاح شديد مني..
فكان الجواب كما يلي: اعلمي، أختي، أن الطفل الأول دائمًا يعتبر حقلا للتجارب بالنسبة لوالديه، وأنت بصفتك أما تحاولين جني الثمار مبكرا ودون رعايتها الرعاية الكاملة. وطفل الثالثة لا يعرف للفشل أو للنجاح معنى غير ما علمناه... فهل تظهر عليك أمارات السعادة والفخر إذا نجح ويظهر عمسلمها إذا فشل؟ هل أثناء تعليمه ترددي أن هذا شيء سهل وبسيط وأنه يستطيع أن يحققه؟
أعني.. أننا نحن من يصور له الفشل على أنه شيء مُرّ صعب هضمه وقبوله.. أو أن كل تجربة فاشلة إلا وهي معرفة لسبيل لا يؤدي إلى الحل. لذا يجب أن تراجعي تصرفاتك حوله... وليس بالكلام وحده سيتم إقناعه... بل بالفعل الحقيقي.
لماذا نقدم الجوائز التشجيعية عند الفوز؟ أليس هذا معناه أن الحصول على التقدير مرتبط بالنجاح؟ كيف تتصورين أن طفلاً في الثالثة سيتقبل الفشل ويتفهمه لمجرد أن تقولي له لا بأس؟
ابنك لا يمل... وهو أصغر من كل ما يمر به، إذا أردت أن تعلميه بسرعة فليكن تعليمك كله ألعابًا... لا يوجد نجاح فيها ولا فشل ولا إنجاز... وإذا أردت أن تكافئيه فكافئيه على السلوك وليس على النتائج... كافئيه على بذل المجهود المخلص.. كافئيه على الإتقان... بغضّ النظر إلى أين وصل وماذا حقق، شاركيه اللعب على شرط أن تفشلي من آن لآخر وتحققي الهدف فيدرك أن المهم هو أن لا نيأس بل نحاول مرة أخرى حتى نحقق النجاح. إنه ما زال طفلاً فلا تتعجلي بلوغه مبلغ الرجال... وإذا كنت تجدين عنده قابلية للتعلم... فحفظيه القرآن الكريم بأسلوب التلقين... على الأقل هذا هو أفضل وقت لنقشه في رأسه. والله ولي التوفيق وهو يهدي السبيل.