سنتناول في هذا الموضوع استراتيجية " إحاطة المظلوم بالعناية الخاصة". وهي تعتبر، كوسيلة تربوية، من أنجع الوسائل المستعملة، في حالات خاصة، عندما يقع الشجار وينشب الصراع بين الأخوين، للإصلاح وجبر الضرر الذي يحصل لبعض الأطفال.
قد تبدو هذه الاستراتيجية سهلة ولكن في الواقع تعد من أصعب الوسائل التربوية، لأننا تعودنا أن نحيط المعتدي بالاهتمام لا المعتدى عليه...إننا نتدخل في حال التشاجر مثلا لنضرب على يد المعتدي ونوبخه ونوجه له اللوم وبهذا نكون قد أحطناه باهتمام وعناية خاصة..وقد تكون هذه العناية، رغم كونها ليست إيجابية، هي المطلوبة بالنسبة للطفل المعتدي، وقد أشبع هذه الحاجة لديه..بينما المجني عليه نغفل عنه ونتجاهله، معتقدين أنه بتوجيه اللوم للظالم قد أشبعنا حاجته...وهذه من الأخطاء التربوية الشائعة...
إننا حينما نوجه تركيزنا على المعتدي بدل المعتدى عليه نكون قد ارتكبنا خطأين تربويين:
1- إغفال الضحية وعدم جبر الضرر:
الضرر والشعور بالظلم ينبغي أن يعالج بسرعة ليمحى وينسى ولا يترك أثره بنفسية الطفل.. فكلما تأخر المربي في علاج الضرر كلما سرى الضرر وكبر في شخصيته ويمكنه أن يطبع ويشكل هواجس ومعتقدات وأحاسيس لديه من مثل: أنه ضعيف، مكروه، مظلوم، كره لأخيه المعتدي.
2-التركيز على المخطئ في حالة التوتر:
حينما نوجه اللوم ونركز على المعتدي في حالة التشاجر، مثلا، نكون قد وجهنا انتقادنا للطفل وهو في حالة لا تسمح له باستقبال توجيهنا وقد تأخذه العزة بالظلم ويتمادى بالتبرير، وقد يمثل دور المظلوم وينقلب الوضع أمام المربي إلى ضحيتين...فيصاب بالإحباط والعجز عن إصلاح ما حدث..وما أكثر هذا في الأسر...ولذا نوجه المربي إلى الخطوات العلاجية التالية:
ست خطوات علاجية:
1- اعتذر:
أول خطوة اعتذر للطفل المعتدى عليه وأبد أسفك لما حصل...وعبر عن هذا الاعتذار بالكلام وبلغة الجسم.
2- أبد اهتمامك:
اهتم بالمعتدى عليه واجعل تركيزك منصبا عليه لا على المخطئ.
3- تعاطف:
من خلال نغمة صوتك وملامح وجهك أبد تعاطفك مع الطفل المظلوم.
4- ضم الطفل:
ضم الطفل يشعره بالطمأنينة ويعيد له الشعور بالأمن ويساهم بشكل كبير في جبر الضرر.
5- اجعل المعتدي يعتذر:
توجه بكل هدوء وبعيدا عن عقلية المحاسبة واللوم، اطلب من الطفل المعتدي أن يعتذرلأخيه..دون إذلاله..ولا بأس من توجيه للمسة الحنان للمعتدي حتى يهدأ ويقبل بسهولة أن يعتذر ويبد أسفه لأخيه.
6- لا تفرض على المعتدي أن يعتذر:
لو فرضت عليه أن يعتذر فإنه أولا لن يعتذر بمشاعره ولن يتخلى عن سلوك الاعتداء، وبالمقابل فإن الطفل المجني عليه يعرف بقوة حدسه إن كان أخوه يعتذر فعلا أو إنه فقط يستجيب مرغما لطلب الوالد... وهذا لن يساهم في جبر ضرره وإزالة آثار الظلم من نفسه ...
الأطفال بحاجة لرؤية الوالدين يمارسان صلاحيتهما ويتدخلان لفك الاشتباك وجبر الضرر وإيقاف الظلم...لكن بالمقابل لا يحبذان التدخل العنيف الذي يلغي كيانهم ويحولهم لآلة تتلقى الأوامر...
اغتنم الفرصة وأبدع في تنمية العلاقات الأسرية
اعتذار الطفل لأخيه فرصة لبدء علاقة أكثر قوة وحيوية... ولذلك على المربي اغتنام هذه الفرصة ليقترح وسائل تربوية تعيد التحام العلاقات وتساهم في تمتينها...مثل هذه فرصة لتهدي أخاك هدية بسيطة..هذه فرصة لنعد الحلوى المفضلة لأخيك, تعال وساعدني (وهي مناسبة لدفع الطفل لتعلم أشياء كثيرة بدافع داخلي قوي ..)
تسوية الصراعات بين الإخوة
دائما ما يتساءل الآباء عن التنافس بين الإخوة. فأغلب المشكلات بين الإخوة لا تتخللها المنافسة, ولكن تتخللها الصراعات. فالصراعات بين الإخوة قائمة منذ قرر آدم وحواء أن قابيل كان في حاجة لأخ صغير..عادة ما تنشأ الصراعات بين الأطفال لأسباب متشابهة مع الأسباب نفسها التي تدفع البالغين إلى التصارع. يرغب الأطفال في تسيير الظروف كما تشتهي أنفسهم, فمنهم من يريد أن تتواءم القواعد مع سلوكه وليس العمسلم, فكل الأطفال لديهم الملكة للتفكير في موقف ما بما يتناسب, فهم يريدون أن يسير كل شيء حسب رغبتهم واهتماماتهم, وعندما لايحصلون على ما يرغبون ينتابهم الغضب. ولن يكون مدهشا أنه عندما تضع اثنين أو ثلاثة من الأشخاص الذين يفكرون بهذه الطريقة داخل منطقة محصورة، وتطلب منهم اللعب والاستمتاع, ففي هذه الحالة من المحتمل نشوب بعض الصراعات بينهم. لذا لعلنا نتساءل ماذا يمكن للآباء فعله لتقليل معدل نشوب الصراعات بين أطفالهم؟ على الآباء أن يبدؤوا أولا باستخدام مثل هذه الصراعات للتعلم منها.
علم طفلك بعض الطرق المقبولة للتعبير عن الإحباط والاستياء, وعلمه كيفية التصرف في مشاعره بدون إيذاء الطرف الآخر.
" أنت تعلمين يا "فاطمة" أنه من المقبول أن تغضبي من أخيك لأنه استفزك، ولكن ليس من المقبول أن تضربينه. ماذا أيضا كان يمكنك أن تفعليه غير الضرب ؟ دعينا نفكر في أشياء أخرى لتفعليها عندما تشعرين بالغضب من أخيك.
هذا المنهج لن ينجح إذا ظل طفلك مضطربا بسبب هذه المشاجرة. إن التواصل دائما ما يكون أكثر فعالية وتأثيرا عندما يتوافر للشخص بعض الوقت ليهدأ.عليك أن تساعد بالتدخل المبكر قبل أن تنفجر العاصفة .
إنه يبدو لي كما لو كنتما تتجادلان, وإنني أعتقد أنه يمكنكما تسوية ذلك معا, وأتمنى ذلك وإذا أردتما مساعدتي. أخبراني بذلك. لكن إذا لم تستطيعا ذلك بمفردكما فسيتطلب ذلك أن ينال كل منكما بعض الراحة لبعض الوقت" .
هذا النمط من التوجيه يعطي طفلك القوة و القدرة حل المشكلات. فإذا آمنت بقدرته على ذلك, فمن المحتمل أن يؤمن هو الآخر بأنه يستطيع أن يحل مشكلاته, ولكن ينبغي أن تكون هناك حدود لذلك, حيث أنه ينبغي أن يكون هناك قرار حكيم قبل التدخل لحل مشكلة أو تنحي عنها .
وكقاعدة عامة, عليك أن تشجع أطفالك دائما على حل مشكلاتهم الخاصة وامنحهم الوقت ليقوموا بذلك, ثم إ ذا رأيت أن المشكلة تتفاقم, هنا يتحتم عليك توجيههم حتى يتوصلوا إلى حل. وعليك أن تتركهم لدقائق قليلة حتى يتمكنوا من التفكير بشأن مشكلاتهم.
علم أطفالك احترام الطرف الآخر حتى وإن اختلفت الآراء. "إنك لست مضطرا للموافقة على ما يقوله أخوك. فهو ينظر إلى الموقف بطريقة, وأنت تنظر إليه بطريقتك, وهذا شيء مقبول أن يكون لديكما اختلاف في الآراء في هذا الشأن, ولكن ليس مقبولا أن تنشب بينكما معركة, لأن اختلاف الآراء لايفسد للود قضية".
هذه المهارة ستساعدهم عندما يصبحون بالغين. ففي بعض المواقف يمكن أن يساعد ذلك إذا شرحت لهم أنه يمكن النظر للمشكلة من وجهة نظر الطرف الآخر "كل منكما لديه مبرر لصحة رأيه". دع أطفالك يتبادلون الأسباب حتى يتأتى لهم التواصل إلى اتفاق أو حل وسط. فكل طفل ينبغي أن يعطي ما لديه من آراء, مهما كانت حتى يتم التواصل إلى حل مرض.
كإجراء وقائي على المدى البعيد, ركز على السلوك الاجتماعي الإيجابي لطفلك وامدحه على الاستمرار والتقدم. فالآباء ينسون ذلك. من السهل النظر للسلوك الجيد على أنه أمر طبيعي ومسلم به وهذا خطأ. حاول البحث عن التعاون والمشاركة وأكدها بقولك " إنني أقدر انسجامكم في اللعب معا وأشكركم على ذلك. إنني أتمنى أن تشعروا بالفخر بأنفسكم"
مما سبق يتضح أن أهم ما يمكن للأم فعله لتعليم أطفالها أفضل الطرق لحل الصراعات التي تنشب بينهم هو أن تكون مثلا يحتدي به أطفالها.
اذكر بعض الطرق المناسبة لحل المشكلات التي تواجهها في حياتك سواء مع زوجتك أو رئيسك أو جارك أو حتى مع موظف المبيعات الثائر، ولا تخفي شعورك بالغضب، بل عليك التعبير عنه بصورة بناءة: " عندما تستمر في النقاش ينتابني الغضب، لأنه أمر محبط أن ندور حول حلقة واحدة". عليك أن توضح لطفلك أن هناك طرقا أفضل للتعبير عن عدم الموافقة مثل الهدوء والأدب والاحترام. فإذا اتبع طفلك أسلوبا للحوار عن طريق العراك فيستغرق إحداث التغير وقتا أطول. لذا عليك بالمثابرة, فالأطفال يستحقون ذلك.