كان في شارعنا كلب عقور شرس، أحبَّه كل كلاب الحي؛ لأنه حمى حماهم، وذاد عنهم، ولم يكن أحد يجرؤ على أن يؤذي كلباً واحداً في حياته. وكرهه كل سكان الحي؛ لأنه لم يكن ينصت إلا للكلاب، ولا يفهم إلا لغتهم. وكلما حاول واحد من الناس أن يشرح له أمراً، لم يجد منه غير النباح والعض، فلا صوت يعلو على صوت النباح. وبلغ من سطوته وجبروته أن نسج الناس حوله الأساطير، وكان من بينها أنه لا يموت.
وفي صباح يوم من أيام الله استيقظ الناس وقد فرَّت جميع الكلاب من الحي، فعلم الجميع أن خطباً جللاً وقع للكلب. ولما تحسسوا أمره وجدوه ساكناً بلا حراك. فحفروا له على عجل قبراً ودفنوه، وبنوا فوقه قبة، وأقاموا حوله شباباً من الحي لمراقبة حاله، وحراسة قبره، فلعله -كما زعمت الأسطورة- لا يمر الفناء ببابه.
ومرت الأيام وتبدل الحرس تلو الحرس، ونسي الناس صاحب القبر، ولكن تعاقب الحرس على مر السنين ألقى في روعهم أن المقبور ذو بال؛ فأحالوا القبر إلى ضريح، ووضعوا بجواره صندوقاً للنذور. ولم يلبث الكلب أن أصبح ولياً من الأولياء ذا كرامات، وضريحه مزاراً ومعبداً للصلاة. وأقام حوله منتفعون من صندوق النذور الذهبي يلفقون عنه حكايات جديدة، ويروون معجزاته التي تفرَّد بها عن العالمين. وكانوا كلما خفَّت الضجة حوله، وتناسى الناس أمره، وقلَّ دخْل الصندوق، خرج واحد منهم يصيح في الناس: "مدد يا صاحب المقام، مدد".
__________________
د. أحمد الليثي
رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
ati
وفي صباح يوم من أيام الله استيقظ الناس وقد فرَّت جميع الكلاب من الحي، فعلم الجميع أن خطباً جللاً وقع للكلب. ولما تحسسوا أمره وجدوه ساكناً بلا حراك. فحفروا له على عجل قبراً ودفنوه، وبنوا فوقه قبة، وأقاموا حوله شباباً من الحي لمراقبة حاله، وحراسة قبره، فلعله -كما زعمت الأسطورة- لا يمر الفناء ببابه.
ومرت الأيام وتبدل الحرس تلو الحرس، ونسي الناس صاحب القبر، ولكن تعاقب الحرس على مر السنين ألقى في روعهم أن المقبور ذو بال؛ فأحالوا القبر إلى ضريح، ووضعوا بجواره صندوقاً للنذور. ولم يلبث الكلب أن أصبح ولياً من الأولياء ذا كرامات، وضريحه مزاراً ومعبداً للصلاة. وأقام حوله منتفعون من صندوق النذور الذهبي يلفقون عنه حكايات جديدة، ويروون معجزاته التي تفرَّد بها عن العالمين. وكانوا كلما خفَّت الضجة حوله، وتناسى الناس أمره، وقلَّ دخْل الصندوق، خرج واحد منهم يصيح في الناس: "مدد يا صاحب المقام، مدد".
__________________
د. أحمد الليثي
رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
ati